قبسات من ذاكرة التاريخ
(1)
الحمد لله معز المؤمنين بنصره ومذل الكافرين بقهره الذي جعل الايام دولا بعدله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل يقصد أو عليه يعتمد ، وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله ..
مدخل :
هذه ومضات من تاريخ أمتي العظيم ، استخلصتها من بساتين شتى ، فكانت كزهر يفوح منه الأرج .. جمعتها كما تجمع النحلة من رحيق الأزهار عسلا .. فتذوقه أخي القارئ .. تجده شراباً حلواً سائغاً .. لذيذ المذاق .. فأرتشفه إلى أخر قطرة .. ولن تعدم حلاوته...
وإنْ تَجدْ عَيْباً فَسُدَّ الخَللا *** فَجَلَّ مَنْ لا عَيْبَ فِيهِ وعَلا .
سميت وريقاتي هذه بصحائف المجد المجهولة ، فلا شك أن لتاريخنا صحائف مجهولة طويت وغيبت عن أبناء أمتي فلم يعد لديهم منها خبر إلا شذرات ، ومن هذه الصحائف كانت صفحات الجهاد الليبي ، فالبعض وللأسف لا يعرف من ذاك المجد التليد إلا ما جاد به عليهم مخرج فلم " عمر المختار "!! فعبر هذه الأسطر سنتجول مع حكايات هذا الجهاد العظيم وسنعيش للحظات مع سير أبطال عظماء .. سطروا بدمائهم الزكية بطولات قلما كتب لها التاريخ ندا ..جل ما دونته في هذه الوريقات استخلصته* من أزهار بساتين الشيخ العلامة المجاهد الطاهر أحمد الزاوي(1)
- رحمه الله - كما عرجت على بعض كتب أعداء المسلمين كالسفاح قراسياني(2)
- والحق ماشهد به الأعداء - فبرغم إجرامه وسفكه لمئات الأف من الدماء الطاهرة ، إلا أنه لم يستطيع إخفاء حقيقة أن هذا الدين العظيم وراءه رجال عظماء.إن هذه الصفحة من ذاك التاريخ العظيم ومن تلك البطولات الرائعة ضاقت بما اشتملت عليه من حوادث وعبر ، فانتهت إلى غاية جرت إليها ، ثم ختمت على ما حوت من خير وشر ، وأودعت في خزائن التاريخ حيث تحفظ سجلات الأمم وتواريخها .ولقد سجل التاريخ في صفحات دولة الروم " إيطاليا " ما تسود الوجوه لفظاعته وبشاعته ، وما تتبرأ منه الإنسانية ، بل الوحوش في آجامها .فلقد كان لهذه الدولة في ليبيا عمر قليل السنوات كثير السيئات ، لم تخل ساعة منه من ألم ممض ، أو إهانة تنفذ إلى أعماق النفوس فتذيبها حسرة . وستجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً. لذلك كانت كل ساعة من هذا العمر القصير لا تقل في طولها عن سنة ، وقد درات رحى الحرب بيد من نار تحرق حيث ما لمست ، وبقلوب انتزعت منها الرحمة انتزاعا ، حتى أصبحت لا تألف إلا الشر ، ولا تستريح إلا للتعذيب والقتل .وفي مقدمة حملة هذه القلوب القاسية السفاح موسوليني(3)
والمجرم قراسياني ، وغيرهما ممن يسوؤهم أن يمر يوما لا يقتل فيه المسلمون الطرابلسيون بالعشرات ، فكان قراسياني يخرج بالمصفحات وعليها المدافع الرشاشة إلى سكان البادية فينصبها عليهم ويرميهم بالرصاص حتى يبيدهم ، ثم يأمر المصفحات إن تمر على جثث القتلة والجرحى وبينهم النساء والأطفال، وتكرر المرور عليهم ذهابا وإياباً حتى تختلط أجسادهم بالتراب ، وتشد الرجال في الحبال والسلاسل بالعشرات ، ثم يؤمر بضربهم بالرصاص حتى لا يبقى منهم أحد ، وتصلب النساء عاريات- أي والله عاريات - أمام ذويهن وبحضور ألوف من الناس إرهاقا لشعور المسلمين وإمعانا في النكاية بهم ، ويشد الرجل والرجلان ويجعلان في محل الهدف يتسلى الجنود والضباط برميها بالرصاص ، ويدخل على الأسرة في بيتها فتقتل نساؤها وأطفالها ثم ترمى جثثهم في بئر المنزل وتطم عليهم، وتملأ البيوت بالرجال ثم يطلق عليهم الرصاص فيموتون ويسد عليهم باب الدار ، ويوثق الرجال في السلاسل ويرمون في البحر أحياء تتقاذفهم الأمواج حتى يموتوا غرقاً ، ويقذف البحر بجثثهم وهي مكبلة في السلاسل ، ويشكو الرجل من أخذه في الجندية لآنه كبير السن وله طفل صغير يحتاج إلى رعايته فيؤتى بطفله ويقتل بالرصاص أمام عينه ، وتسلب الأموال والأملاك بدون ثمن وتعطى للطليان ينعمون بخيرها ، ويموت العرب جوعاً في جوارها !!بعض جرائم الطليان ضد الضعفاءوكان الجندي الإيطالي وهو ذاهب إلى ليبيا يقول في نشيده العسكري :أنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا *** سأبذل دمي في سحق الأمة الملعونةسأحارب الديانة الإسلامية *** سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن السفاح قراسياني وظنت إيطالية بادي الأمر أن الأمر مجرد نزهه أو سفر عابر لن يتستغرق سويعات ، ولكن خيب الله ظنها ، وأوتيت من حيث لم تحتسب ، فوجدت جبال شوامخ خرجوا لها عن بكرة إبيهم رجالا ونساء ، ولسان حالهم يقول :
خرجنا إلى الموت شم الأنوف *** كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيوف *** ونأتي المنية من بابها
ستعلم أمتي أننا *** ركبنا الخطوب حناناً بها
حتى قال قائلهم: وكأن الأرض تخرج العرب .. وصدق وهو كذوب.. والفضل ما شهد به الأعداء ...
ظلت إيطاليا لأكثر من عشرين سنة تكابد مرارة الهزيمة ، وقد ضحت في هذه الحرب بربع مليون جندي بين قتيل ومفقود، عدا المرتزقة من الأحباش والخونة من الليبين والذين لم يخلوا منهم زمن ، وليس بدعا في الدنيا أن يوجد في هذه الحرب مثل هؤلاء النفر من الخونة الذين فسدت أخلاقهم ، ولم ينالوا من التربية الفاضلة ما يصدف بهم عن مثل هذه السفاسف ، فإن أمة في الدينا لا تخلوا منهم ، وقد تظافرت تواريخ العالم على وجود هذا النوع في كل زمان ومكان ، وبودنا أن يكون فيما يلاقونه من مقتٍ في حياتهم وبعد مماتهم عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.وخرجت إيطاليا في نهاية المطاف خائبة ذليلة .. وخسرت المليارات من المال والمعدات .. وبيد هذا الجيش الطاغي واستأصل الله شأفته .. بعد أن مرغت كرامته بالتراب ، على أيدي رجال أشاوس ، سطروا المجد بدمائهم وأشلائهم في وقائع مشهودة لا يقل بأسها وشدتها عن حطين وأخواتها . وأخلف الله ظن موسوليني في طرابلس ، فخرج منها هو وقومه أذلة صاغرين ورأوا من شتات الشمل وذهاب الدولة ما فيه عبرة لمن يعتبر .وهو الذي وقف يوما في طرابلس بعد أن جمع لمقابلته الضعفاء من سكان البلاد ، ثم يؤتى له بمدفع فصعد عليه ، وضرب الرصاص من مسدسه في الهواء وقال ( طرابلس ملكنا إلى الأبد ) .ومما جاء في خطابه أيضا قوله : ( إن الملك العظيم فيكتور المبارك من الله والمحبوب من شعبه أرسلني إلى طرابلس التي هي ملك الإيطاليون إلى الأبد . فإذا ثبت الطرابلسيون في طاعتهم لمليكي وسيدي سننت لهم القوانين العادلة التي تحميهم ).وكان ماارتكبه الطليان - شعبا وحكومة - في طرابلس من جور وظلم في محل الرضى من جميع الهيئات كلها من الملك إلى السوقة ، ولم يرتفع صوت واحد باستنكاره . وقد تولى كبره موسوليني ومنفذو أوامره ، فنالهم من العقاب شر ما نال ظالما في التاريخ . وكان الجزاء وفاقا ، فرأت هذه الدولة وشعبها من الفواجع ما كان مخبوءا لها في قدر الله مما يماثل ما أنرلوه على المسلمين في طرابلس سواء بسواء ..ولو علم موسوليني والطليان أن الله يمهل ولا يهمل لا تعظوا بمن تقدمهم من الأمم التي أذلها الله بسبب الظلم .وبلغ من هوان موسوليني على قومه أن قتل بأيد إيطالية ، وبقيت جثته على قارعة الطريق تتلقى لعنات الإيطاليين ، وتركل بأرجلهم ، وكلما مر عليها ملأ من قومه بصقوا عليها تحقيرا لشأنه وجزاء لأجرامه . (وما الله بغافل عما يعمل الظالمون )..
يتبع بإذن الله